Lyrics

لأني صبرتُ...
تهجّدتُ بالنارِ ، حتى تعوّذتُ ظلَّ اشتعالي بشهقِ شهيدِ،
وسافرتُ نحو انطفاءِ الدخانِ،
فأوقدتُ جمريَ في قصبٍ من جليدِ،
حفرتُ ملامحَ وجهي على صخرةٍ لم تُؤانسْه ريحا
ولم يستجبْ لنشيدِ.

وعدتُ إلى صوتِ غربانِ خوفي،
أرتّلُ فيها رؤى موطني المستحيل،
ولما غفا الضوءُ في قدميَّ،
مشيتُ على جفنِ ليلٍ ثقيلٍ عنيدِ،
وساءلتُ صمتَ المدى فجأة : كيف تنجبُ أقمارُ حزنيَ لونَ الحديدِ؟


فصاحتْ صبايا الفلاةِ:
أما آن للقهرِ أن ينتهي من وريدي؟
رأيتُ الغيومَ توسوسُ فوقَ الخريفِ،
كأنّ الخرافاتِ ترعى وليدي،
سمعتُ العجائزَ يَغزلْنَ موتًا،
ويحملْنَ حزنًا كأولى خطى الفقدِ في الطرقاتِ القديمة.

فأدركتُ أنّ الدُّجى لا يوزّعُ إلا السرابَ على الحالمينَ الصاعدين،
وأنّ المآذنَ تسقي العناقيدَ منها ذهولًا،
نجيعَ الفجيعةِ في صوتِ عيدِ.

لأني صبرتُ...
توهّجَ جفنيَ بالذكرياتِ
زنابقَ أُذْبِلتْ في الخدودِ،
وصرْتُ الحنينَ كنارٍ خفيّة
تُضيءُ المسافاتِ بين القيودِ.


تكسّرتِ الأرضُ تحتَ خُطايَ،
وما ظلَّ غير ارتعاشي
لِحين التقيتُ بوجهِ الغيابِ،
فقلتُ: سأبقى،
ولو جرّدتني الليالي،
ولو ضاعَ منّي الطريقُ الأكيدُ.




أنا هي نسْجُ هذا النزيف،
أنا ابتهالُ الرمادِ إلى وهجِ ناري،
أنا هي وهجكم من صمود الحديدِ.

أنا ابنةُ داري، وأمّي تغنّي لابني أساطيرَ قمحٍ،
تهدهدُ أرضي كي تستفيقَ
من السّهدِ، من صوتِ نوحٍ جديدِ.

سألتُ النوافذ : هل جرّدتكِ الرياحُ
من لهفةِ الموقظين؟
فقالتْ: تثاءبَ هذا المساءُ،
حتى انجلى في العيونِ الكفيفة
صهيلُ المدى.

تعبتُ...
ولكنني ما برحتُ أزرعُ الصمتَ زيتًا
لجوعِ المصابيحِ في الساهرين،
أربّتْ شتاتي،
وأوقظُ فيّ الدثارَ،
وأبكي على ما تبقّى منَ الحالمين.

أيا مَن يبيعُ الزهورَ بدربِ الشقاءِ،
أما عندكَ الآن زهرٌ به النبضُ حيًّا؟
يوشوشُ للريحِ أن تبتهلْ
لوجهٍ كليلٍ غريبٍ حزينِ؟
كمثل ابتهال البلاقعِ
لغيثٍ نديٍّ...


---